سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً} من متاع الدنيا، {وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} اختلفوا في هذه اللام، قيل: هي لام كي، معناه: آتيتهم كي تفتنهم فيضلوا ويضلوا، كقوله: {لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه} [الجن- 16].
وقيل: هي لام العاقبة يعني: فيضلوا وتكون عاقبة أمرهم الضلال، كقوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص- 8].
قوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} قال مجاهد: أهلِكْها، والطمس: المحق. وقال أكثر أهل التفسير: امسخها وغيِّرها عن هيئتها.
وقال قتادة: صارت أموالهم وحروثُهم وزروعُهم وجواهرهم حجارةً.
وقال محمد بن كعب: جعل سكَّرهم حجارة، وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارَا حجرين، والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرًا.
قال ابن عباس رضي الله عنه: بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحًا وأنصافًا وأثلاثًا.
ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة وإنها لحجر.
قال السدي: مسخ الله أموالهم حجارة، والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة، فكانت إحدى الآيات التسع.
{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: أَقْسِهَا واطبعْ عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان، {فَلا يُؤْمِنُوا} قيل: هو نصب بجواب الدعاء بالفاء. وقيل: هو عطف على قوله: {ليضلوا} أي: ليضلوا فلا يؤمنوا. وقال الفراء: هو دعاء محله جزم، فكأنه قال: اللهم فلا يؤمنوا، {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} وهو الغرق. قال السدي: معناه أمِتْهُم على الكفر.
{قَال} الله تعالى لموسى وهارون، {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} إنما نسب إليهما والدعاء كان من موسى لأنه رُوي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمِّن، والتأمين دعاء. وفي بعض القصص: كان بين دعاء موسى وإجابته أربعون سنة. {فَاسْتَقِيمَا} على الرسالة والدعوة، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب {وَلا تَتَّبِعَانِّ} نهي بالنون الثقيلة، ومحله جزم، يقال في الواحد: لا تتبعنَّ بفتح النون؛ لالتقاء الساكنين، وبكسر النون في التثنية لهذه العلة. وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التأكيد تثقَّل وتخفف، {سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} يعني: ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وَعْدي، فإن وعدي لا خُلْف فيه، ووعيدي نازل بفرعون وقومه.


{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} عبرنا بهم {فَأَتْبَعَهُم} لحقهم وأدركهم، {فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} يقال: أتبعه وتَبِعه إذا أدركه ولحقه، واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به. وقيل: هما واحد. {بَغْيًا وَعَدْوًا} أي: ظلما واعتداء. وقيل: بغيا في القول وعدوا في الفعل. وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبريل على فرس وَدِيْقٍ وخاض البحر، فاقتحمت الخيول خلفه، فلما دخل آخرهم وهمَّ أولهم أن يخرج انطبق عليهم الماء. وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} أي: غمره الماء وقرب هلاكه، {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ} قرأ حمزة والكسائي {إنه} بكسر الألف أي: آمنت وقلت إنه. وقرأ الآخرون {أنه} بالفتح على وقوع آمنت عليها {لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فدسَّ جبريل عليه السلام في فيه من حمأة البحر.
وقال: {آلآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذين آمنت به بنو إسرائيل، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فِيْهِ مخافةَ أن تدركه الرحمة». فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو إسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرًا كأنه ثور فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل الماءُ مَيْتًا فذلك قوله: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ}.


{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} أي نلقيك على نجوة من الأرض، وهي: المكان المرتفع. وقرأ يعقوب {نُنْجِيك} بالتخفيف، {بِبَدَنِك} بجسدك لا روح فيه. وقيل: ببدنك: بدرعك، وكان له درع مشهور مرصّع بالجواهر، فرأوه في درعه فصدّقُوا. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} عبرةً وعظةً، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}.
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون، {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} منزل صدق، يعني: مصر. وقيل الأردن وفلسطين، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثًا لإبراهيم وذريته. قال الضحاك: هي مصر والشام، {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الحلالات، {فَمَا اخْتَلَفُوا} يعني اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي، {حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} يعني: القرآن والبيان بأنه رسول الله صدق، ودينه حق.
وقيل: حتى جاءهم معلومهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يعلمونه قبل خروجه، فالعلم بمعنى المعلوم كما يقال للمخلوق: خَلْقٌ، قال الله تعالى: {هذا خلق الله} [لقمان- 11]، ويقال: هذا الدرهم ضَرْبُ الأمير، أي: مضروبه.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12